التعاون الدولي كآلية قانونية لمحاربة الجريمة

بواسطة mina

الباحث القانوني محمد سيدي عبد الله

مع التزايد المطرد فى نسبة الجريمة واستغلال المنظمات الإجرامية للمناخ الدولي المتَّسم بالمرونة لتوسيع مجال عمالياتها الإجرامية عبر الحدود، إما بطريقة مباشرة من خلال مدِّ نشاطها الدولي أو بطريقة غير مباشرة من خلال انتشار شبكات دولية للمنظمات الإجرامية تتعاون فيما بينها، كان من الضروري التفكير في تقييم أداء أجهزة العدالة الجنائية الدولية وخلق أجهزة نوعية متخصصة بملاحقة الجريمة.

ولا تزال الجريمة عبر الوطنية من الموضوعات المطروحة للنقاش في المحافل العلمية الوطنية والدولية لغرض التوصل إلى فهم مشترك لهذه الظاهرة وخصائصها بوصفها جريمة ترتكب غالبا من قبل فاعلين متعددين ينتمون إلى مجموعة إجرامية تتجاوز حدود الدولة الواحدة، الأمر الذي دفع بالمجتمع الدولي إلى البحث عن آليات جديدة تتلائم وطبيعتها، وتطوير الوسائل التقليدية بما يكفل تضامن وتكامل جهود الدول، وأجهزتها القائمة بمهمة مكافحة الجرائم عموماً وجرائم المخدرات على وجه الخصوص، وذلك لخلق مؤسسات أكثر ديناميكية، استجابة لسرعة ظهورها وتطورها، ذلك أن المكافحة المثلى للجريمة تعتمد على تجاوز الوسائل التقليدية إلى وسائل أكثر جرأة وفعالية من شأنها تدعيم القدرة الأمنية لمواجهة التهديدات غير التقليدية سواء أكانت ثنائيا أم متعدد الأطراف بحيث تسمو على الخلافات السياسية والهيكلية التي تواجهها الحكومات

وعلى اعتبار أن التعاون القضائي الدولي في الميدان الجنائي من أهم الآليات الرئيسية لمكافحة الجريمة بأبعادها وأساليبها وأنواعها المختلفة.

مثل : الإرهاب الدولي والاتجار غير المشروع بالمخدرات وغير ذلك من الجرائم التى ترتكبها منظمات إجرامية أو أشخاص طبيعية أو اعتبارية عن الأغراض التي أنشئت لأجلها. فهذا التعاون يقوم على ما تقدمه سلطات دولة لدولة أخرى من مساعدة وعون في سبيل ملاحقة الجناة بهدف عقابهم على جرائمهم، وذلك من خلال تدابير وقائية تستهدف مواجهة الصيغة غير الوطنية للجريمة، وتستجمع الأدلة بمختلف الطرق، وهو ما يستغرق وقتاً، ويتطلب إمكانيات لا تملكها سلطات قانونية لدولة واحدة ما لم تدعمها وتساندها جهود السلطات القانونية في الدول الأخرى.

دور الاتفاقيات الدولية في مكافحة جرائم المخدرات "المغرب نموذجا

فوفقا لما هو منصوص عليه في ديباجة دستور المملكة المغربية فإن الاتفاقيات الدولية تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، وبموجب ذلك يتم العمل على ملائمة هذه التشريعات مع ما تستلزمه المصادقة على الاتفاقيات الدولية.

فالمغرب بمصادقته على اتفاقية "كيوتو" المعدلة بتاريخ 16 يونيو 2000، اعتمد على مستوى المراقبة أهم الاجراءات التي تضمنتها إدارة المخاطر، هذه الأخيرة وكما جاء في ديباجة الاتفاقية تعتبر ركيزة أساسية لتسهيل حركة التجارة الدولية، والمغرب بوصفه دولة من الدول الموقعة على الاتفاقية، أخد بهذا المقتضى على غرار الدول الموقعة على الاتفاقية، التي يصل عددها اليوم 113 دولة ومن المفيد الوقوف على مفهوم إدارة المخاطر، حيث تكفلت المنظمة العالمية للجمارك بوضع تعريف لإدارة المخاطر وعرفتها بكونها : " تطبيق نظامي يتضمن الإجراءات والممارسات التي تزود الجمارك بالمعلومات اللازمة لمعالجة ومراقبة التحركات أو الشحنات التي تشير إلى وجود المخاطر".

وبالتالي يعتبر تطبيق نظام إدارة المخاطر من الأنظمة الحديثة التي تدعمها المنظمة العالمية للجمارك، وركيزة أساسية لتسهيل إثبات جرائم المخدرات بغية التوفيق بين فعالية المراقبة وسلامة البضائع حيث واصلت إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة خلال سنة 2014 تحسين نظام المراقبة الذي يقوم على تحليل المخاطر معتمدة في ذلك على افضل الممارسات الدولية في هذا المجال. كما أنه في إطار المراقبة الانتقائية التي تجريها إدارة الجمارك، كشف التقرير الصادر سنة 2017 بخصوص أنشطة الإدارة أن متوسط معدل فحص البضائع عند الاستيراد بلغ 19 بما فيها %6% من إعادة الانتقاء، وبلغ متوسط معدل فحص البضائع عند التصدير 13,6 بما فيها %1.3% من إعادة الانتقاء.

ودعما للرقابة القائمة على الانتقائية أحدثت إدارة الجمارك المغربية خلية وطنية للاستهداف سنة 2016، مهمتها تحسين توجيه وتنسيق عمليات المراقبة الجمركية في جميع أنحاء التراب الوطني، الأمر الذي مكن إدارة الجمارك سنة 2017 من تحصيل 19 مليون درهم من الرسوم والمكوس، وإحالة مجموعة من القضايا على القضاء بلغت قيمتها الإجمالية 91 مليون درهم".

وتتجلى أهمية إدارة المخاطر فى مراقبة حركة الأشخاص بكونها ستساعد الجمركى فى اتخاذ القرار المناسب، وتحدد له درجة الخطر وطريقة التعامل مع الشخص الذي خضعت ظروفه لتطبيق نظام إدارة المخاطر، فبناء على درجات الخطر تحدد الوثائق والإجراءات والمعاينات المطلوبة، ومن أجل تعزيز الرقابة على الأشخاص تلجأ إدارة الجمارك كذلك إلى إبرام اتفاقيات لتبادل المساعدات الإدارية في المجال الجمركي، مثال ذلك الاتفاقية الموقعة ما بين الجمارك المغربية وجمارك روسيا الاتحادية بتاريخ 11 اكتوبر 2017 والتى تضمنت إجراءات تهم تبادل المعلومات حول الأشخاص الذين ارتكبوا أو يشتبه بهم في ارتكابهم لجنحة المخدرات بالتراب الجمركي التابع للمغرب أو لروسيا الاتحادية، كما أكدت الاتفاقية على ضرورة تبادل المعلومات حول نتائج المراقبة وبدون تأخير من أجل الاثبات الدقيق لجرائم المخدرات.