بوركينا فاسو.. اعتقالات في صفوف الجيش تعيد الجدل حول استقرار المرحلة الانتقالية

بواسطة abbe

التيار (واغادوغو) - أثارت حملة الاعتقالات الجديدة التي طالت عددا من كبار ضباط الجيش في بوركينا فاسو موجة واسعة من التساؤلات حول عمق التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه المرحلة الانتقالية في البلاد.

ووفقا لمصادر أمنية، فإن الاعتقالات تأتي على خلفية الاشتباه في تورط هؤلاء الضباط في مخطط لإرباك النظام الانتقالي وخلق حالة من الفوضى داخل المؤسسة العسكرية.

وترى مصادر خاصة لـ"التيار" أن هذه التطورات تعكس استمرار حالة التربص بالمسار الانتقالي، خاصة مع تزايد الحديث عن وجود شبكات داخلية وخارجية تسعى لإفشاله وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

وتؤكد المصادر أن اعتقال قائد سابق للعدالة العسكرية، رفقة قائدين ميدانيين في قوات النخبة، وقائد حالي في منطقة "واهيغويا" يعكس خطورة الامتدادات المحتملة لهذا المخطط.

ويذهب محللون إلى أن توقيت هذه المحاولة ليس بريئا، إذ تتزامن مع مؤشرات تقدم تحققها السلطة الانتقالية على أكثر من صعيد، سواء في استعادة بعض المناطق من قبضة الجماعات المسلحة أو في إشاعة مناخ جديد من الانضباط داخل القوات المسلحة.

ويعتقد مراقبون أن النجاحات الجزئية التي تحققت جعلت بعض الجهات النافذة والمتضررة تتخوف من استقرار الأمور لصالح الفريق الحاكم.

وفي هذا السياق، يقول أحد المحللين البوركينابيين، لـ"التيار" إن "التحرك الحالي يكشف حجم المعركة الصامتة التي تدور في الخفاء بين دعاة الاستقرار وتيارات أخرى ما زالت ترفض فقدان النفوذ".

ويضيف أن "الانتقال في بوركينا فاسو لا يزال هشا، ويواجه تحديات لا تقل خطورة عن الإرهاب، من بينها الاختراقات داخل المؤسسة العسكرية".

ويشير المحلل السياسي من واغادوغو إلى أن هذه المحاولة، سواء ثبتت حقيقتها بالكامل أم لا، تؤكد مرة أخرى أن الصراع في بوركينا فاسو لم يعد فقط مع جماعات مسلحة في الأدغال، بل بات يمتد إلى كواليس الحكم، حيث تلعب المصالح المتضاربة أدوارا خفية في تحديد مآلات البلاد.

ويرى متابعون أن تكرار المحاولات الانقلابية خلال العامين الماضيين يكشف عن انقسام عميق داخل النخب العسكرية، بين من يرى في المرحلة الانتقالية فرصة للإصلاح الجذري، ومن لا يزال متمسكا ببنية السلطة السابقة، ويرجح بعضهم أن تكون هذه الاعتقالات بمثابة "تحذير علني" لكل من يفكر في المساس بوحدة المؤسسة العسكرية.

وفي الوقت الذي لم تصدر فيه السلطات حتى الآن بيانا رسميا شاملا حول الموضوع، إلا أن التسريبات الإعلامية تتحدث عن مخطط تم تجهيزه بدقة، يقوده مسؤول سابق في مؤسسة وطنية نفطية يعيش حاليا في المنفى، وقد استعان بضباط في الخدمة لإحداث فوضى منظمة داخل المنظومة الأمنية.

وينظر إلى صمت السلطة الانتقالية على أنه محاولة لاحتواء الموقف أمنيا قبل تحويله إلى قضية سياسية، وهو ما يعكس – حسب مصادر خاصة لـ"التيار" – إصرار الفريق الحاكم بقيادة النقيب إبراهيم تراورى على عدم الانجرار إلى سجالات قد تعرقل مسارهم في استعادة الاستقرار.

ويحذر مراقبون من أن فشل السلطات في كشف كافة خيوط القضية، أو التعامل معها بحزم وشفافية، قد يعزز شعورا عاما بأن البلاد تتجه إلى حالة من عدم اليقين السياسي، خاصة إذا تكررت هذه الحوادث دون حسم واضح.

في المقابل، تشدد أصوات داعمة للسلطة الانتقالية على ضرورة التماسك الشعبي حول مشروع "التحول الثوري"، معتبرة أن المرحلة تتطلب يقظة مدنية واسعة لحماية المؤسسات، ومواجهة ما تسميه "فلول الأنظمة القديمة" التي تحاول إفشال ما تحقق حتى الآن.

وتظهر المحاولة الانتقلابية، أن بوركينا فاسو دخلت مرحلة جديدة من التحديات، لا تقل خطورة عن التهديدات الأمنية المباشرة، بل تتجاوزها إلى معركة بقاء داخل مفاصل الدولة نفسها، وهي معركة ستحدد نتائجها مستقبل البلاد ومسارها السياسي في قادم الأشهر.