السنغال: الحوار الوطني.. من مساعي التوافق السياسي إلى خارطة إصلاح شاملة

بواسطة ezzein

التيار (داكار) ـ في خطوة وصفها مقربون من النظام، بأنها مفصلية في مسار التحول السياسي بالسنغال، ترأس الرئيس بشيرو ديوماي فاي، صباح الاثنين 14 يوليو، حفل تسلم التقرير العام للحوار الوطني حول إصلاح النظام السياسي، وهو ثمرة مشاورات موسعة شملت كافة مكونات الطيف الوطني، وعبرت عن رغبة ملحة في إعادة بناء الدولة على أسس أكثر ديمقراطية وتشاركية.

الحوار الذي أُطلق منذ عدة أشهر، لم يكن مجرد ترف سياسي أو محاولة لامتصاص الاحتقان، بل وصف بأنه عملية تشاركية عميقة جمعت الأحزاب السياسية، والنقابات، والجامعيين، والمجتمع المدني، والمؤسسات الدينية والتقليدية، ورجال الأعمال، فضلا عن مساهمة مباشرة من المواطنين عبر منصة "Jubbanti" الرقمية التي نقلت أيضا آراء الجاليات السنغالية في الخارج.

ورغم مقاطعته من طرف حزب الرئيس السابق ماكي صال، فقد اعتبر الرئيس فاي أن الحوار شكل "تجسيدا لروح الجمهورية"، مؤكدا أن انخراط كل مكونات المجتمع يدل على نضج الديمقراطية السنغالية ورسوخ ثقافة النقاش الوطني البناء.

التقرير العام للحوار الوطني لم يكن مجرد سرد للنقاشات، بحسب بعض المراقبين، بل حمل في طياته 27 توصية وصفها الرئيس بـ"الحاسمة" لإعادة تأسيس النظام السياسي. ومن أبرز هذه التوصيات:

إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، بهدف فك الارتباط بين السلطة التنفيذية والعملية الانتخابية.

تأسيس محكمة دستورية مستقلة، سبق الاتفاق عليها خلال مشاورات العدالة، وهو ما ينتظر أن يرفع من مصداقية التحكيم القانوني في النزاعات السياسية.

إعادة هيكلة نظام الأحزاب السياسية، سواء من حيث التأسيس أو التمويل، لتفادي فوضى التعددية الشكلية.

تبني البطاقة الموحدة ونظام التصويت الإلكتروني، مع رقمنة شاملة للعملية الانتخابية.

التسجيل التلقائي للناخبين الجدد عند استخراج بطاقة الهوية، في خطوة تعزز الشفافية وتقلص الإقصاء الانتخابي.

هذه الإجراءات، يرى فاي، أنها تستهدف "تثبيت دولة القانون، وتطهير الحقل السياسي، وإرساء قواعد تنافس شفاف".

لم يكتف بشيرو باستعراض مخرجات الحوار، بل أعلن عن تشكيل لجنة تنفيذ مصغرة تبدأ عملها هذا الأسبوع، مهمتها تحويل التوصيات إلى نصوص قانونية قابلة للتطبيق، ما يعكس بحسب المراقبين، جدية السلطة التنفيذية في احترام نتائج الحوار وتحويلها إلى واقع مؤسسي.

هذا الالتزام، الذي جاء على لسان الرئيس، ترافق مع تطمينات للطبقة السياسية والنقابات حول حرصه على تنفيذ التعهدات بدقة، واعترافه بالصعوبات التي اكتنفت بعض المحطات الحوارية، ما يدل على فهم عميق لطبيعة التفاوض السياسي في بيئة ديمقراطية.

الرئيس فاي لم يغفل في كلمته الإشارة إلى الأبعاد الرمزية والمؤسساتية للحوار، معتبرا أن السنغال دخلت مرحلة جديدة من "التعاقد الديمقراطي"، وأن الحوار الوطني بات مؤسسة من مؤسسات الحكم، تساهم في بناء نظام أكثر عدالة واستشرافا للمستقبل.

وفي ظل أزمات الديمقراطية التي تضرب العديد من دول الجوار، تبرز التجربة السنغالية كمثال على إمكانية تجاوز التوترات السياسية عبر آليات تشاركية وسلمية، تجعل من الحوار لا مجرد محطة ظرفية، بل إطارا دائما لإنتاج التوافق الوطني.

ويرى متابعون للملف السنغالي ما جرى في السنغال ليس مجرد تمرين ديمقراطي، بل محاولة جادة لإعادة هندسة النظام السياسي، بأدوات سياسية ومجتمعية داخلية، بعيدا عن الضغوط الخارجية أو الأجندات المفروضة رغم الهزات الداخلية، وبروز الخلاف بين الرئيس ووزيره الأول للعلن.

وإذا نجحت الحكومة في تنفيذ مخرجات الحوار خلال الأشهر المقبلة، فإن ذلك سيشكل بالنسبة للمراقبين، تحولا تاريخيا في علاقة الدولة بمواطنيها، ويعيد تعريف الحوكمة السياسية على أساس الشفافية، التشاركية، واحترام الإرادة العامة.

ومن هنا، تبدو السنغال على عتبة تحول ديمقراطي عميق قد يجعلها منارة إقليمية في غرب إفريقيا، شرط الحفاظ على هذا الزخم وتفادي العودة إلى منطق الاستقطاب أو الحسابات قصيرة المدى خصوصا في أفق الاستقطاب المتوقع بعد حديث الوزير الأول عثمان سونكو بشكل علني عن خلافه مع الرئيس فاي.