التعدين الأهلي في موريتانيا: مكاسب آنية... وخسائر مستدامة

بواسطة ezzein

محمد محمود العتيق

رغم ما يدرّه نشاط التعدين الأهلي من دخل سريع لبعض المواطنين، فإن الحقيقة الأعمق – والأكثر إيلامًا – هي أن هذا النشاط أصبح بمثابة قنبلة موقوتة تهدد البيئة، والسلم الأهلي، والصحة العامة، بل وتهدد مستقبل التنمية المستدامة في البلاد.

 

فمن دون تخطيط، أو تقييم للأثر البيئي والاجتماعي، تم فتح الباب على مصراعيه أمام موجات من الباحثين عن الذهب، في سياسة عشوائية تفتقر إلى أبسط معايير الرؤية الاستراتيجية أو الحس التنموي. تم الزج بآلاف المواطنين في مناطق نائية وخطيرة، وسط ظروف غير صحية، وتحت رحمة سوق سوداء للمعدات والمواد السامة – كالزئبق والسيانيد – التي أصبحت جزءً من المشهد اليومي في هذه "المدن المؤقتة" التي تنبت فجأة ثم تختفي، مخلفة وراءها خرابًا بيئيًا وبؤر توتر اجتماعي.

 

وليس من الصدفة أن العديد من الدول الإفريقية – مثل السودان، وتشاد، ومالي – خاضت نفس التجربة، لكنها تدفع اليوم ثمن الفوضى التي صاحبت التعدين الأهلي، من تصحر وتسرب للمواد السامة، إلى نزاعات قبلية ومحلية، بل وتحول بعض المناطق إلى بؤر للجريمة والتهريب.

 

في الحالة الموريتانية، بدلًا من التراجع عن هذا المسار، تم تأسيس شركة "معادن موريتانيا" لتأطير وتوسيع هذا النمط من التعدين، في خطوة تؤكد – بكل أسف – أن السلطة الحالية قررت المضي قدمًا في ترسيخ هذا الخيار رغم كل مخاطره، بل ومنحته غطاءً مؤسسياً.

 

غير أن ما بُني على الفوضى يظل هشًا: فشركة "معادن" وُلدت من رحم المحسوبية والزبونية، ولم تأت بجديد سوى تكريس الواقع القائم، وتوزيع بعض "الفتات التنظيمي" هنا وهناك، في حين ظلت المشاكل الجوهرية على حالها: لا معايير واضحة لحماية البيئة، لا رقابة حقيقية على استخدام المواد السامة، لا استراتيجية لاحتواء التوترات الاجتماعية الناتجة عن هذا النشاط، ولا رؤية لكيفية الخروج من الاعتماد على التعدين العشوائي كمورد سريع وهش.

 

إن المضي في هذا الاتجاه دون تقييم شامل وشجاع للمخاطر، هو شكل من أشكال الغباء التنموي. فالأمم التي تحترم شعوبها ومستقبلها، لا تقايض البيئة بالحاجة الآنية، ولا تفتح الباب لفوضى تنتهي بأثمان باهظة في المديين المتوسط والبعيد.

 

ما نحتاجه اليوم ليس "شركة لمأسسة الوضع الكارثي"، بل قرار سياسي يعيد ترتيب الأولويات، يوقف هذا النزيف، ويشرع في بناء سياسات تنموية مستدامة تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق حسابات الربح السريع أو الشعبوية العابرة.

محمد محمود العتيق

  [email protected]