اكتشافات الغاز تعزز طموحات موريتانيا في قطاع الطاقة

بواسطة abbe

صورة من موقع فايننشال تايمز

التيار (ترجمة) - نادرا ما تحظى موريتانيا باهتمام واسع في الأخبار الدولية، فهذه الدولة الصحراوية الشاسعة، الواقعة بين الصحراء الكبرى والمحيط الأطلسي، قلما تتصدر عناوين الصحف العالمية.

لكن هذا الوضع قد يكون على وشك التغيير، بفضل الاحتياطات الوفيرة من الغاز التي قد تحول اقتصادها القائم إلى حد كبير على الزراعة، وتدفع عجلة النمو في واحدة من أفقر دول العالم.

بدأت شركة الطاقة البريطانية العملاقة BP الإنتاج لأول مرة هذا الشهر من مشروع السلحفاة الكبرى آحميّم (GTA)، وهو حقل ضخم للغاز الطبيعي المسال يقع قبالة سواحل موريتانيا وجارتها الجنوبية الغربية السنغال، وتقدر طاقته الإنتاجية السنوية بـ 2.3 مليون طن، وقد وصفت الدولتان المشروع بأنه "مشروع ذو أهمية وطنية استراتيجية".

بإمكان هذا الحقل، الذي من المتوقع أن يستمر إنتاجه لمدة لا تقل عن 30 عاما، أن يعيد تشكيل سلسلة التوريد العالمية للطاقة، من خلال تنويع أسواق تصدير الغاز، وتوفير الطاقة اللازمة لدعم النمو في البلدين.

يدار المشروع من خلال شراكة بين BP، وشركة Kosmos Energy الأمريكية، وشركتي الطاقة الوطنيتين لكل من موريتانيا والسنغال.

تعول الحكومة الموريتانية على GTA لدفع عجلة النمو الاقتصادي في عام 2025، في ظل تباطؤ الأنشطة الاستخراجية الأخرى، فمن المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام 4.2%، وهو معدل قريب من العام الماضي الذي بلغ 4.6%، وفقا لصندوق النقد الدولي.

ويرجع هذا التباطؤ جزئيا إلى انخفاض متوقع بنسبة 23.5% في إنتاج الذهب، مع وصول بعض المناجم إلى نهاية دورة إنتاجها، كما يتوقع انخفاض إنتاج خام الحديد، الذي لطالما كان ركيزة أساسية للاقتصاد الموريتاني.

وفي هذا السياق، تسعى الحكومة إلى جذب المستثمرين إلى قطاع النفط والغاز، إذ يتم الآن تطوير حقول غازية أصغر، مثل حقل بندا، الذي تم اكتشافه قبل أكثر من عقدين، لكنه لم يدخل مرحلة الإنتاج إلا العام الماضي، وهو مخصص لتوليد الكهرباء للاستهلاك المحلي.

ومع ذلك، ورغم الإمكانات الواعدة لاكتشافات الغاز في موريتانيا، إلا أن هناك تحديات ومخاطر تلوح في الأفق، حيث تجري كل من السنغال وموريتانيا تدقيقا في تكاليف تطوير مشروع GTA، بهدف التفاوض على شروط أفضل مع BP وKosmos، وقد أكملت موريتانيا بالفعل عملية التدقيق، بينما لا تزال السنغال تواصل مراجعة شاملة لعقود قطاع النفط والغاز، ما أثار قلق المستثمرين.

إضافة إلى ذلك، فإن العلاقة بين البلدين تشهد توترات بين الحين والآخر، متأثرة بالخلفيات التاريخية والتباينات العرقية، حيث تضم موريتانيا مجموعات عربية-بربرية وأخرى إفريقية، وكانت آخر دولة في العالم تجرم العبودية، رغم تأكيد منظمات حقوق الإنسان أن ممارساتها لا تزال قائمة.

ومن بين المؤشرات على حساسية العلاقات، الجدل الذي نشأ حول الاسم الذي اختارته السنغال لسفينة الدعم الخاصة بمشروع GTA، والذي استدعى إلى الأذهان معركة قديمة بين البلدين، ما يعكس هشاشة السلام القائم بينهما، وفقًا لما صرح به دبلوماسي غربي سابق عمل في المنطقة.

ورغم هذه العقبات، يجمع الخبراء على أن موريتانيا والسنغال بحاجة إلى الحفاظ على علاقة عمل وظيفية لتجنب تعقيد المفاوضات المقبلة مع شركائهما التقنيين.

كما أن هناك تحديا محتملا آخر يتمثل في موقف الولايات المتحدة، خاصة في حال فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية جديدة، إذ إن تطوير حقول الغاز الموريتانية يتطلب استثمارات بمليارات الدولارات، وغالبية المستثمرين المحتملين هم أمريكيون، لكن وفقا لأحد المستثمرين، فإن سياسة ترامب المتوقعة، التي تركز على تعزيز الإنتاج المحلي عبر شعار "الحفر، الحفر، الحفر"، قد تدفع المستثمرين إلى تفضيل المشاريع المحلية على حساب بلد لا يزال غير معروف على نطاق واسع في مشهد الطاقة العالمي.

ورغم هذه التحديات، يُنظر إلى جهود الحكومة الموريتانية في جذب الاستثمارات بإيجابية، إذ شارك المسؤولون في العديد من المؤتمرات الدولية للطاقة خلال العام الماضي للترويج للقطاع.

وفي هذا الصدد، أكد وزير النفط الموريتاني محمد ولد خالد أن بلاده أصلحت قوانين الاستثمار لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، ووفرت إعفاءات ضريبية، ووضعت آليات لحماية المستثمرين الدوليين، وأضاف أن "هذه الإصلاحات تهدف إلى ترسيخ مكانة موريتانيا كمركز إقليمي للطاقة، لا سيما في مجال الطاقات المتجددة والغاز الطبيعي، من خلال توفير بيئة آمنة وجاذبة للمستثمرين الأجانب".

ومع ذلك، فقد واجهت موريتانيا تجارب مماثلة في الماضي، ففي أوائل الألفية الجديدة، اكتشفت شركة الطاقة الأسترالية Woodside Petroleum حقلا نفطيا تبين لاحقا أنه أقل إنتاجية مما كان متوقعا، كما أحاطت به شبهات فساد تورط فيها مسؤولون حكوميون، ولم يُكتب لهذا المشروع النجاح، وانتهى الأمر بانتقال ملكية الحقل إلى أطراف أخرى قبل أن يتوقف عن الإنتاج.

واليوم، يقع على عاتق السلطات الموريتانية ضمان أن تكون هذه المرة مختلفة، وأن تتمكن البلاد من استغلال ثرواتها الغازية بطريقة مستدامة وشفافة تعزز نموها الاقتصادي.

من النشرة الإخبارية الخاصة بمصدر الطاقة، لفايننشال تايمز، ترجمة التيار
تقرير أماندا تشو في نيويورك، وآانو أديُوي في لاغوس – 28 يناير 2025

ترجمة التيار