“مصر ليست بورندي أو موريتانيا” .. عبارة كتبتها “الأهرام” فأثارت حفظية سفير موريتانيا الراحل في القاهرة محمد فاضل ولد الداه .. فما ذا كتب ؟ (وثيقة)

بواسطة abbe

حصلت “الصدى” على وثيقة خاصة عبارة عن رد كتبه سفير موريتانيا في التسعينيات لدى القاهرة المرحوم محمد فاضل ولد الداه على مقال كتبه الكاتب المصري الشهير سلامة أحمد سلامة مدير تحرير الاهرام وكاتب العمود اليومي فيها ، حيث وردت في عموده عبارة تمثل إساءة لموريتانيا وذلك في معرض دفاعه عن بلاده جمهورية مصر العربية التي كانت  تتعرض لحملة شرسة من بعض وسائل الاعلام الغربية ، وفي سياق رده كتب العبارة أعلاه: “مصر ليست بورندي ولا موريتانيا” ، هذه العبارة استوقفت سفيرنا لدى القاهرة حينها وفضل أن يسلك القنوات الثقافية والفكرية بدلا من القنوات الدبلوماسية الرسمية ، فكان له ما أراد من خلال هذه المقالة الرصينة التي قدمت عرضا مفصلا عن موريتانيا قديما وحديثا وعن بعدها الحضاري والثقافي ودورها في دعم القضايا العربية المعاصرة

وهذا نص المقالة التي حصلت عليها “الصـــــــــدى” من أحد خلصاء سفيرنا الأسبق محمد فاضل ولد الداه رحمه الله  

حضرة الاستاذ الفاضل / سلامة أحمد سلامة

تحية طيبة واحتراما يليق بمقامكم الكريم

وبعد ، فأنا أحد القارئين لعمودكم اليومي فى ” الاهرام ” . أجد فيه الفكرة الناضجة و الأسلوب المعتدل والمعالجة الرصينة . ولقد فوجئت كما فوجىء غيرى من قرائكم الموريتانيين بما ورد فى هذا العمود يوم ١٧ فبرابر الجارى . حيث استخدمتم أسلوبا لا يرى سبيلا لإثبات أهمية مصر عربيا واسلاميا إلا من خلال الحط من قدر بلد شقيق ،

فقلتم أن “مصر ليست بوروندى أو مورينانيا ” وهى مقارنة لا يمكن إلا أن تثير الدهشة بما تنطوى عليه من تعريض بموريتانيا واقحام لاسمها فى قضية لا تتعلق بها وخاصة حينما تصدر تلك المقارنة عن كاتب كبير وصحفى قدير مثلكم لا تعييه الحجة أو يعوزه البرهان ، وفى صحيفة لها من الخبرة والمكانة ما للأهرام ، وفى بلد كمصر تنزله مورينانيا منزلة الشقيق الأكبر .

إننا ونحن نشاطركم الرأى حول أهمية الشقيقة مصر ومكانتها بين الدول العربية والاسلامية التى لا نعتقد انها تحتاج الى برهان نذهب الى أبعد من ذلك لنقول ان هذه المكانة – المستحقة عن جدارة – كانت دائما ترتبط ارتباطا وثيقا بجهودٍ مصر وتضحباتها من أجل أشقائها العرب والمسلمين ومقاومتها لأى أغراء يغريها ببناء مجدها على حسّاب النّيل من حظوظهم وأقدارهم ماديا كان ذلك أو معنويا .

وبعبارة أخرى فان أهمية مصر ومكانتها فى أعين العرب والمسلمين لم تنجم عن تنافس أو سباق تحرص فيه مصر على ابراز تميزها عنهم أو أفضليتها عليهم ، بل نجمت عن قدرة مصر الكبيرة على التضحية والعطاء برا بالأشقاء و إيثارا  لهم .وهذا ما يجعلنا نندهش حينما نقرأ لكم وللأهرام أسلوبا قد يفهم منه أى انتقاص  من قطر عربى إسلامي شقيق هو موريتانيا

 

حقا إن مورينانيا بلد صغبر مسالم قام دائما ويقوم بدور كبير لصالح العرب والمسلمين ولكن فى صمت ونكران للذات ، وهو دور لا يتعارض، بالتأكيد مع ما نقوم به مصر فى هذا المجال ، وانما يتكامل معه ، وقد يجهل ذلك كثير من الناس فى عالمنا العربى والاسلامى لضعف الوعى وانتشار الأمية . ولكن من هو فى مقامكم علما و ثقافة لا يمكن أن يغيب عن باله كيف سطع درو الموربتانيين الجهادى فى الدفاع عن الاسلام فى شمال إفريقيا وجزيرة ايببريا . وخاصة منذ القرن الخامس الهجرى بوم خاضوا – تحت رايات المرابطين – معركة “الزلاقه” لمشهورة التى أجلت سقوط الأندلس أربعة قرون من الزمن

وكيف سطع دورهم الحضارى يوم نجحوا فى نشر الإسلام و الحضارة  العربية فى غرب إفريقيا بالحكمة والموعظة الحسنة .. وكيف سطع دورهم الثقافي والعلمى يوم كانت شنقيط منارة للعلم والمعرفة وكان للعلماء الشناقطة فى بلدان المشرق العربى وفي مقدمتها مصر والأزهر الشريف حضور واسهام متميز فى مختلف المعارف ، علماء من أمثال الشيخ محمد محمود بن. التلاميد الذي إنتدبه الإمام محمد عبده لتدريس علوم اللغة العربية فى الأزهر الشريف ، والشيخ بن مايابا الذى أتحف المكتبة المصرية بكتابه الجليل ” زاد المسلم فى ما اتفق عليه البخارى ومسلم “.

“والشيغ أحمد الأمين الشنقيطى الذى انقطع لخدمة العلم فى مصر حتى توفاه الله ناركا للمكتبة المصريبة ١٤ مولفا بما فيها كتابه الشهير ” الوسيط فى تراجم أدباء شنقيط ” و غيرهم وغيرهم  ٠٠ وأخيرا كيف حفظت مورينانيا للعرب وما تزال تحفظ لهم إلى يومنا  هذا لغة عربية نقية وتراثا عربيا و  إسلاميا لا تشوبه شائبة .

 

أما دور موريتانيا الحديث فى الدفاع عن القضايا العربية وحقوق الشعب الفلسطيني ، وتعزيز التضامن العربى – الافريقى فهو أمر معروف لا يحتاج الى شرح .

فأي هذه الأدوار لا يشرف العرب والسلمين ، ويُعطى مورينانيا حق الاعتراف لها  بما بذلت وإن لم تنتظر مقابله جزاء أو شكورا

 

لقد كانت المفارقة المؤسفةِ يا سيدى فى عمودكم المذكور أنّه وهو يحاول تبرئة الاعلام الغربى من  تهمة التجني على مصر جاء بصياغة تتجنى على قطر شقبق فى قلبه لمصر واهلها كل معانى الحب والاكبار .

لقد أحببت أن أتوجه بالخطاب إليكم شخصيا لثقتي بأن ما عرف عنكم من تجرد وحياد علمى كفيل بأن يجعلكم تلمسون مدى ما سببته مقالتكم هذه من ألم لأهلكم فى مورينانيا .

 

فإن أردتم أن تنصفوا بلدكم موريتانيا بكلمات تعيد الحق إلى نصابه فلن يكون ذلك، غريبا على تواضع العالم وموضوعية المفكر التى أنتم أهل لها ، والتى هى صفة كل ذى علم لا تعوزه شجاعة الاعتراف بأن رأيه ” صواب يحتمل الخطأ ” ؛ كما يقول الامام أبو حنيفة .

أما موريتانيا فنؤكد لكم أنها باقية على العهد ولاء ووفا  للعرب و المسلمين  مهما كان الحيف الذي يلحق بها سهوا أو خطأ متمثلة فى ذلك بقول الشاعر  :

وإن الذى بيني  وبين بنى أبى     وبين بنى عمى لمخنلف جدا

لأن أكلوا لحمى وفرت لحومهم   و إن هدموا مجدى بنيت لهم هجدا

 

ولكم أولا وأخيرا خالصة التحية والاحترام .

سفير موريتانيا في القاهرة 
محمد فاضل الداه

تعليـــــــــــق المحرر :

تبين هذه المقالة عن رؤية استراتيجية عميقة تغذيها التجربة ويرفدها رصيد معرفي كبير عرف به الراحل محمد فاضل ولد الداه (الأستاذ ) ، وإلا ليس من السهل ولا من المستساغ دبلوماسيا أن يخاطب سفير دولة كامل السلطة أحد أكبر و أخطر الأقلام المصرية في عهده وهو الكاتب الصحفي الشهير سلامة أحمد سلامة كاتب العمود اليومي الشهير في جريدة الأهرام المصرية و مدير تحريرها ، فالتحفظ الدبلوماسي يمنع الكثير من رجال الدبلوماسية من الاقتراب مع الصحافة والصحفيين ، ويجعلهم في مثل هذه الحالات يحررون رسائل احتجاج تذهب عبر القنوات الرسمية وقد تأتي بنتيجة إيجابية وفي أحيان كثيرة  تكون نتيجتها سلبية حيث تتذرع سلطات البلد بحرية الصحافة ، وتستعدي وسيلة الاعلام أو الإعلامي الذي تتم الشكوى منه في بلد الدبلوماسي الشاكي ،لكن شجاعة سفيرنا في مصر أنذاك جعلته يجازف بمخاطبة الكاتب سلامة أحمد سلامة برسالة تقطر براعة و خبرة ليضرب عدد النخب المصرية والعربية الجاهلة والمتجاهلة لموريتانيا من “العصافير بحجر واحد”

،فبدلا من رسالة دبلوماسية غاضبة تبقى حبيسة الادراج الدبلوماسية الرسمية ، قابل سفيرنا رحمه الله القلم بالقلم والفكرة والفكرة والعقل بالعقل، مستخدما البعد الآخر لشخصيته  كمثقف ومفكر بارع خارجا من عباءة الدبلوماسية واكراهاتها ، فرد الصاع صاعين بلغة رفيعة وفكر مستنير ، بالغت في تقدير الصحفي والرفع من مكانته ، ليخاطب من خلاله كل النخب عبر منبر “الأهرام” وما أدراك ما الأهرام ،؟

وبهذه الكلمات القليلة المفعمة بالحنكة والحكمة قدم  سفيرنا رحمه الله عرضا مفصلا عن بلاده موريتانيا و بعدها الحضاري واشعاعها الفكري والحضاري ، داعيا الكاتب بلغة جزلة مفعمة بالإكبار لتصحيح هفوته عبر عموده اليومي ، لكن الواقع أنه بهذه المقالة قدم الصورة الناصعة والباهرة لموريتانيا قديما وحديثا

 

هذه الحادثة تبرز أهمية دور رجال الفكر والثقافة في المناصب الحساسة خاصة الدبلوماسية ، فهؤلاء وحدهم يستطيعون التحليق في فضاءات أخرى موازية للفضاءات الدبلوماسية الضيقة والمغلقة والتي تقاس فيها الكلمات بالسانيتمرات تحفظا وخشية من إثارة الأزمات الدبلوماسية بين البلدين؟

 

 

مفـــــــــــــــــارقة :

المفارقة الغريبة التي نستحضرها على ذكر “بورندي” هي أن الحرب الأهلية التي شهدتها بروندي في تسعينيات القرن الماضي تمت تسويتها سلميا على يدي المواطن الموريتاني المبعوث الأممي أحمدو ولد عبد الله بعد فشل الكثير من محاولات التسوية بجهود دولية وإقليمية.

 

نقلا عن الصدى