شاء من شاء وأبى من أبى، يثبت لنا السنغال مرة أخرى أن السياسة، قبل كل شيء، هي مسألة حكمة شعبية.

 

 

نعم، هذا الشعب نفسه، الذي يُستهزأ به أحيانًا بسبب اندفاعه وشغفه ومبالغاته، يمتلك قدرة استثنائية على تحديد مصير البلاد في يوم واحد فقط. 

 

يا له من يوم! فمع الضجيج والتقلبات التي شهدتها الحملة الانتخابية، كان المتوقع أن يتواصل المشهد السياسي في سلسلة طويلة من التعقيدات، لكن الواقع جاء مغايرًا تمامًا. في يوم واحد، حُسم الأمر. وكأن السنغاليين، بعد استيعاب كل المطالب، وضعوا أصواتهم في صناديق الاقتراع بحكمة تتناسب مع تأمل حكيم يجلس تحت شجرة "الباوباب" العتيقة.

 

لم يعد السياسيون وحدهم يحتكرون الحقيقة، فصناديق الاقتراع أثبتت قدرتها على الكلام، وهذه المرة، أوصلت رسالة واضحة حول الصخب المحيط: "أيها السياسيون، لقد فقدتم الاتصال بالواقع؛ الشباب يعرفون جيدًا ما يريدونه." والمفارقة تكمن في أن شخصيات تاريخية، كانت تُعتبر مستقبل البلاد، وجدت نفسها مستسلمة لرياح جديدة، رياح "سونكو"، هذه الرياح، التي تهب منذ سنوات على البلاد، اجتاحت كل شيء بطريقة مدهشة وغير متوقعة، يوم 17 نوفمبر، كان اكتساح "سونكو" أشبه بظاهرة مناخية. 

 

لقد فاجأت هذه العاصفة الجميع، وأطاحت بخطط أعدّها من كانوا يظنون أنهم لا يزالون قادرين على توجيه الأمور لصالحهم.

 

خذ على سبيل المثال أمادو با، هذا الرجل الذي استطاع، بعد نتائج رئاسية "لامعة" نسبيًا، أن يحافظ على رباطة جأشه كزعيم للمعارضة، حتى هو لم يسلم من الهزيمة. دعوته إلى "السلام والازدهار"، مهما كانت صادقة، لم تجد صداها في قلوب الشباب. هؤلاء الشباب فضلوا خطاب "الاحترافية" و"التغيير". لماذا؟ لأن السياسة، كما نعلم، تحمل في طياتها سحرًا غامضًا، فهي لا تخضع دائمًا للمنطق أو العقلانية، بل تواكب شغف الناس وغريزتهم وما يمليه عليهم "هواء العصر". واليوم، هواء العصر هو "باستيف"، هواء التمرد، والأمل، وتحدي النظام القائم.

 

أما "رجال النظام"، فعليهم الحذر، الشباب المناهضون للنظام أثبتوا هذه المرة أنهم على استعداد للبقاء والاستمرار في الساحة السياسية. 

 

دورة جديدة قد بدأت، وستكون طويلة وغير متوقعة، مثل مباراة كرة قدم لا يمكن التكهن بنتيجتها النهائية.

 

وليس من المستغرب أن نجد بعض الشباب من الطبقة السياسية قد أُجبروا على التقاعد المبكر: بوغان غي داني، بارتليمي دياس... هذه الأسماء باتت وكأنها بقايا من ماض قريب، أزيحت جانبًا بفعل صعود جيل جديد يلعب وفق قواعد مختلفة تمامًا.

 

السياسة في السنغال لا تقبل أن تُحبس في سيناريوهات معدة مسبقًا. إنها تنبثق من جديد، تتغير، وتُذكّر الجميع بأن صناديق الاقتراع لها الكلمة الأخيرة، وعندما تنطق هذه الكلمة، يجب على الجميع أن يصغي، حتى أولئك الذين ظنوا أنهم يحتكرون الحقيقة المطلقة.

 

اباب صال كي