حين تزور موريتانيا وتسمع أصوات الاحتفال ترتفع من أحد المنازل، وقد تسمع صوت ثلاث طلقات نارية في الهواء، فلا تعتقد أن الأمر يتعلق بحفل زفاف أو وليمة، الأمر سيفاجئك لأن مثل هذه الاحتفالات ترافق عادة الطلاق..

أجل الطلاق يحتفل به في موريتانيا خاصة في القرى والأرياف، وإن كانت هذه العادة "بدأت تختفي" حسب رأي البعض.

الاستثناء الموريتاني

منذ مئات السنين عرف المجتمع الحساني (ساكنة الحيز الجغرافي الممتد من وادي درعا جنوبي المغرب إلى حدود أزواد في الشمال المالي) ظاهرة احتفال المرأة بالطلاق مع تسجيل اختلافات من منطقة إلى أخرى.

وفي موريتانيا التي انتشرت فيها هذه العادة بقوة، تستقبل أسرة المرأة المطلقة ابنتها بالزغاريد وعبارات التشجيع والثناء على ما تتمتع به من جمال، في حين يرون في الرجل الذي طلقها "تعيس حظ" وهم يرددون أهازيج وأغان شعبية تتنبأ للمطلقة برجل أكثر وسامة ومالا ومكانة اجتماعية.

يقول رئيس الجمعية الموريتانية لعلم الاجتماع سيدي محمد ولد الجيد في حديث مع موقع "راديو سوا" إن بعض هذه المظاهر "بدأت تختفي وتنحسر في المدن"، لكنه يؤكد أنها "ما تزال موجودة في الأرياف التي تحافظ على عادات وتقاليد المجتمع الموريتاني القديم".

وحول أسباب احتفال النساء الموريتانيات بالطلاق، يرى ولد الجيد أنه ليس احتفالا بدافع الفرح وإنما نوع من "الإشهار والدعاية للمرأة المطلقة بأنها جاهزة لتجربة زواج جديدة".

ويعتقد أمين الآداب الشعبية في اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين الدوه ولد بنيوكْ أن الاحتفال بالطلاق هو "نوع من الطب النفسي غير المباشر للمرأة حتى لا تتأثر بتخلي زوجها عنها".

ويضيف في حديث مع موقع "راديو سوا" أن الأسر الموريتانية تقيم تلك الاحتفالات "ليحس الرجال بأن المرأة تطلقت حتى تزداد فرصها في الزواج ويعلم أكبر عدد ممكن من الرجال أنها مستعدة لزواج جديد".

نكاية في الزوج

يقول المثل الشعبي الموريتاني (زين سعد اشباب تخلات سالم والراجل ما مات) ومعنى هذا المثل بأن المرأة التي تتطلق دون سن الـ40 سعيدة الحظ.

وبعد الطلاق، تحرص النساء الموريتانيات على إقامة مأدبة عشاء أو غداء على شرف صديقاتهن والظهور أمامهن بمظهر المرأة القوية السعيدة بانتهاء علاقتها برجل تعتبر أنه لم يكن جديرا بالزواج منها.

ويرى الباحث في علم الاجتماع محفوظ ولد سيداتي في هذه المظاهر "محاولة من المرأة المطلقة لتغيظ زوجها السابق حتى يتخذ قرارا بمراجعتها مرة أخرى".

ويضيف في حديث مع موقع "راديو سوا" أن "هذا يجعل الزوج السابق يشعر بالضغط حين يراها تحتفل ويرى الرجال يبدون الرغبة في الزواج بها بعد انقضاء عدتها، فيجعله ذلك يقرر العودة إليها حتى لا يراها زوجة لأحد الجيران أو المعارف".

وبعد انقضاء فترة العدة مباشرة، تخرج المطلقة في أبهى حللها وقد تزينت وفاحت منها رائحة العطر وضمخت الحناء يديها ورجليها.

يفسر ولد الجيد ذلك بأنه "تعبير من المرأة وأسرتها عن جاهزيتها النفسية للدخول في تجربة زواج جديدة".

ويقول مثل شعبي موريتاني إن قيمة المرأة بعدد زيجاتها، أي أن الرجل الموريتاني يحب أن يتزوج المرأة المطلقة على عكس نظرائه في بقية المجتمعات العربية.

ويرجع ولد بنيوك ذلك إلى أن "الرجال يريدون امرأة ناضجة وعاقلة وذات تجربة في شؤون البيت قادرة على إدارة المنزل".

وتشير إحصائيات منظمات مدنية إلى أن نسبة الطلاق تصل 44 في المئة من الزيجات، في وقت ترفض فيه الغالبية العظمى من النساء متابعة أزواجهن من أجل الحصول على حقوق النفقة وغيرها من المستحقات التي تنص عليها مدونة الأسرة.

وتعتبر المرأة الموريتانية أنه من غير اللائق بها التوجه إلى المحكمة لمطالبة مستحقات من رجل تخلى عنها، وينظر أهلها إلى ذلك بأنه "سلوك مرفوض" في كثير من الحالات.

 

عنفار ولد سيدي الجاش/ راديو سوا