- التفاصيل
لا يزال وَلَه الموريتانيين بالشاي أو " أتاي" نضرا لا يشيخ ، رغم أن قصة العشق المشتركة تجاوزت قرونا من الزمن وخلفت أجيالا جمعها قاسم عشق الشاي المشترك، كما لا يزال الشاي الأخضر، المشروب الأكثر رواجا عند الموريتانيين
حيث تتناوله جميع شرائح المجتمع ولأكثر من ثلاثة مرات يوميا ، فلا ضيافة بدون الشاي , ولا طعام إلا ويتقدمه ويتأخره الشاي ، ولا تحلو المجالس التى تتندر بالشاي شعرا وطربا إلا به فهو المخدر الحلال الوحيد للشعب الذي لايزال يحتفظ بطقوسه البدوية الأصيلة ، التى جعلت من" اتاي " جزءا من هوية المجتمع وأحد أهم روافده التراثية .
طقوس الشاي في مجتمع البيظان :
صنع الموريتانيون طقوسا خاصة للشاي تكريما لمكانته في قلوبهم واحتراما لعلاقتهم التاريخية الطويلة معه ،رغم أن الكثير من قداسة هذه الطقوس زال بحكم التمدن ومراعاة الوقت ومن أبرز الطقوس التقليدية :
ـ الكؤوس الصغيرة : من بين شروط " أتاي" الفلكلورية استخدام كؤوس صغيرة لاتجوز زيادتها على النصف غالبا ، ويتم تناول الشاي في الصباح وأوقات القيلولة والمساء على ثلاثة مراحل متتابعة يتم في كل مرحلة شرب كأس واحد من الحجم المشار إليه.
ـ "الجيمات الثلاثة "
جيم الجمر : وتعني تسخين الشاي ، فلا يحلو الشاي إلا على جمر الفحم بدل الغاز،
- جيم الجر : وتعنى مراعاة صب الشاي بهدوء لا دفعة واحدة لكي يتمكن السمار من تبادل الحديث .
- جيم الجماعة : فالشاي لابد له من جماعة من الظرفاء متجانسة الأعمار والمستوى الثقافي .
ـ الرغوة كشرط وجوب :
من شروط الشاي الرئيسة أن لاتبتل الصينية التى يحضر عليها ، كما أن لا تخلو كؤوسه من الرغوة ، الكؤوس الخالية من الرغوة تصيب جماعة " أتاي " بالتقزز والامتعاض .
ـ " القيّام " وهو الإسم الذى يطلق على الشخص الذي يتولى إعداد الشاي ويجب أن تتوافر فيه مواصفات خاصة ، منها أن يكون مجيدا لصناعة " اتاي " ، كما يمتلك الموازنة بين كيمات الشاي والسكر في الإبريق ، بحيث لايطغى أحدهما على الآخر ، وأن يتميز صوت صرير كؤوسه أثناء العملية بالمرونة والإنسيابية عكس المبتدئ الذي لايجيد الصنعة .
كما يستحسن في " القيّام " أن يكون مهذبا لبقا حلو الحديث ، عارفا بأدبيات "اتاي" , متقننا لفن الإمساك بالإبريق، نظيف الكؤوس، دقيق الصب حيث لا تقطر أي قطرة من الشاي خارج الكأس، كما يستحسن وضع حزمة من ورق النعناع فوق الصينية لتزين المنظر ، كما يفضل في " القيّام " أن يكون امرأة حين تكون الجماعة من فئة عمرية واحدة خصوصا ممن يتعاطون أحاديث الأدب والغزل .
ـ " السخار " وتعني الشخص الذي يحمل إبريق الشاي من الصينية إلى موقد الجمر الملتهب ويعيده منها إلى " القيام " كما انه المسؤول عن جمر الموقد ، ويستحسن أن يكون أصغر الجماعة سنا .
أدوات صنع الشاي :
أدوات الشاي هي : إبريق أو إبريقان وعدة كؤوس، وكمية من الشاي حوالي 30غ لجماعة من أربعة أشخاص وسكر ونعناع، ويسمي الشاي (الورقة ) وتتفاوت أنواعها حسب الجودة ولها عدة تسميات .
طريقة الإعداد:
ويتمثل إعداد الشاي الموريتاني "في خلط كمية كبيرة من الشاي الاخضر بالماء والنعناع قبل أن يضاف السكر في إبريق في عملية تعاد ثلاث مرات خلال جلسة الشاي " وفي كل مرة يختلف الذوق.
وتتراوح حصص "جلسة الشاي الموريتاني" من أربع إلى عشر مرات في اليوم.
ويعد الشاي على ثلاث دفعات
البراد الأول : وهو أول كوب من الشاي يتميز بقلة السكر ولون داكن قليلا.
البراد الثاني : وهو أفتح لون من الأول وسكر معتدل
البراد الثالث أو التالي : وهو الكوب الأكثر سكرا والأفتح لونا .
دراسة حول نسبة تناول الشاي عند الموريتانيين
أكدت دراسة حديثة قام بها الباحث الموريتاني عبدو سيدي محمد ، أن 99% من الموريتانيين يتناولون الشاي، واعتبرت الدراسة أن الشاي المشروب الشعبي الأول في موريتانيا بامتياز، حيث يتناوله الموريتانيون في جميع الأوقات وكافة الأماكن، بل يعتبر من الموروث الأصيل ومن العادات والتقاليد الموريتانية العريقة.
واهتمت الدراسة ، بتحديد نوعيات الشاي ونسبة الاستهلاك، وكذلك الأسباب الكامنة وراء الانتشار المذهل للشاي داخل الوسط الموريتاني.
وأوضحت الدراسة أن 64.6% من المستجوبين يتناولون الشاي أكثر من 3 مرات يوميا، بينما 27% يتناولونه مرتين، و8.4% يتناولونه مرة واحدة فقط.
وتباينت آراء المشتركين في الدراسة نوعيات الشاي التي تباع في موريتانيا بين 12 نوعية للشاي، وأجمع المشاركون على نقاط مشتركة لنوعية وجودة الشاي، وهي الوسطية في التركيز، أي ألا يكون شديد السواد أو رقيقا، وأن يكون مميزا بلذته ونكهته، وأن يحتفظ بطعم وذوق الشاي الأصيل، وأن يساعد على الهضم.
مهرجان دولي للشاي :
استغرب الباحث الموريتاني ولد البو " من تنظيم مهرجانات للشعر والمسرح والموسيقي والتمور والمدن القديمة وغيرها على أهمية مركزيتها، مع نسيان عصب الوجود الثقافي الذي هو الشاي الذي يستحق مهرجانا يليق بأبهته وروعته ومكانته في نفس قاطن الصحراء وفي مجلس البيظان وفي القيم والخلال التي يشهد عليها الشاي أينما دارت كؤوسه علاوة على ريعه الاقتصادي والسياحي الكبير وهو يستحق بذلك مهرجانا دوليا ينهض بتعريف العالم بأسره بهذه الخصلة والصنعة الشنقيطية المتأصلة ويستدر أقلام الكتاب والشعراء كما يستدر أباريق " القيامين " ليتحفوا الشرق والغرب بما تنفرد به موريتانيا وتتميز حتى نكرم نزيل الثقافة والأرض معا كما نكرم أنفسنا كل صباح بالشاي أولا .. " حسب الباحث .
ويبقى " أتاي" هو سيد الموائد وفاكهة المجالس ونديم السمر في المجتمع الموريتاني ، وقديما كانت الذاكرة الشعبية تحتفظ بوقتان مقدسان " لأتاي" وهما وقت الصباح الباكر والوقت "الذهبي" وهو بعد صلاة العصر حيث تطيب تراتيل الحديث في مجالس الأنس والطرب حول مجلس " القيام " ليزيل بكؤوسه المترعة تباريح الهم بعد يوم شاق في أتون معارك وهموم الحياة اليومية ، وليداعب الشاي بنكهته وطعه المفعم بالنشاط أحساسهم بالتعب ، لينسوا في باحته الوارفة شظف العيش ومشقة الكدح .
أما اليوم فقد أصبح " أتاي" مصبوبا مشروبا طيلة اليوم لا يتوقف تداوله وتناوله بين أفراد المجتمع دون مراعاة احترام الوقت ولا الطقوس التراثية المصاحبة لجلسات الشاي .
المغاربية_الآن