تشهد جمهورية مالي أزمة سياسية متفاقمة يرى عدد من المراقبين أنها تهدد استقرار المرحلة الانتقالية، في ظل تصاعد الخلافات بين مكونات السلطة المؤقتة وتراجع الثقة الشعبية، إضافة إلى تفاقم الأزمات الأمنية والاقتصادية.

 

ووفق مصادر التيار في العاصمة المالية باماكو فإن الأزمة تتجلى في صراع بات مفتوحا بين الوزير الأول شوغيل مايغا والرئيس الانتقالي الفريق أول عاصمي غويتا، في ظل تبادل الاتهامات حول اتخاذ قرارات أحادية والابتعاد عن مسار الإصلاح الموعود.

 

في خطاب قوي أمام أنصاره، وجه مايغا السبت انتقادات لاذعة للمجلس العسكري، مستنكراً تمديد الفترة الانتقالية دون استشارة الحكومة أو القوى السياسية، مشيرا إلى تهميش حكومته، ومتهما المجلس بالعودة إلى ممارسات ساهمت في احتقان المشهد السياسي الذي سبق الانقلاب.

 

تصريحات مايغا قوبلت برفض حاد من قوى مقربة من المجلس العسكري، حيث اعتبر حزب "اريما" أن مايغا يهدف إلى زعزعة الاستقرار، داعيا رئيس المجلس العسكري إلى إقالته فورا، وهو ما يعكس عمق الانقسام داخل السلطة الانتقالية في مالي، خاصة في ظل حديث مصادر التيار عن وجود جناح عسكري قوي داخل المجلس العسكري مؤيد للوزير الأول شوغيل مايغا.

 

جاء خروج الأزمة السياسية بين أقطاب المرحلة الانتقالية إلى العلن، في لحظات تواجه فيها البلاد أيضا تهديدات أمنية متزايدة، مع تصاعد هجمات الجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء واسعة من الشمال والوسط، كما يتزامن مع الانسحاب الدولي النهائي من البلاد، بعد مغادرة بعثة "مينوسما"، وهو ما عمق الفراغ الأمني وزاد الضغط على الحكومة الانتقالية، وفي بعض المراقبين.

 

يأتي كل ذلك في ظل عزلة دولية تواجهها البلاد منذ الانقلاب العسكري، حيث فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) عقوبات على البلاد، في حين انسحبت القوات الفرنسية والأوروبية، مما دفع السلطات الانتقالية لتعزيز علاقتها مع روسيا عبر مجموعة "فاغنر"، وهي خطوة أثارت جدلا واسعا في البلاد.

 

ورغم تعهد المجلس العسكري بإصلاحات سياسية شاملة، إلا أن تأجيل الانتخابات مرارا، أثار شكوك المعارضة بشأن نية المجلس الاحتفاظ بالسلطة، خاصة أن غياب رؤية واضحة للإصلاح يزيد من حدة الاستقطاب الداخلي.

 

يرى بعض المتابعين للشأن المالي أن التوتر مع الحركات الأزوادية في الشمال، وانسحاب بعثة "مينوسما"، أضاف تحديا جديدا، حيث تطالب هذه الحركات بالحكم الذاتي، أو الاستقلال، في ظل شعور متزايد بالتهميش، بل واتهامات للحكومة المالية بالسعي إلى تصفية سكان الشمال، وهو ما يعيد فتح ملفات قديمة تزيد من تعقيد المشهد السياسي في البلاد.

 

الأوضاع الاقتصادية المتدهورة فاقمت هي الأخرى الأزمة، حيث تعاني البلاد من ارتفاع معدلات البطالة والفقر، مع مواجهة العقوبات الدولية والعزلة الإقليمية، وهو ما أثر بشكل مباشر على المستوى المعيشي للسكان، مما يهدد باندلاع احتجاجات واسعة ضد حكام البلاد في أي لحظة.

 

وفي ظل هذه الأزمات، تلوح في الأفق تحركات شعبية متوقعة تطالب بالإسراع في تنفيذ الإصلاحات وضمان انتقال ديمقراطي حقيقي.

 

هذا الوضع يضع السلطات الانتقالية أمام اختبارات صعبة تتطلب معالجة سريعة وشاملة، وفق بعض المقربين منها.

 

ويرى عدد من أنصار شوغايل مايغا أن الحل السياسي في مالي يحتاج إلى إعادة بناء الثقة بين مكونات السلطة واعتماد آليات حوار تضمن مشاركة جميع الأطراف.

 

بينما يرى عدد من المراقبين أن تحسين العلاقات مع المجتمع الدولي بات ضروريا لاستعادة الدعم المالي والأمني الذي تحتاجه البلاد.

 

ويعتقد كثير من المراقبين أن مالي تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم، بين استعادة الاستقرار أو الدخول في مرحلة جديدة من الفوضى السياسية والأمنية. 

 

ويؤكد هؤلاء أن نجاح المرحلة الانتقالية يعتمد على قدرة السلطة على تحقيق توازن دقيق بين مكافحة الإرهاب، وتنفيذ الإصلاحات، وإعادة بناء العلاقات مع الشركاء الدوليين، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى الخطوات المقبلة التي ستحدد مصير البلاد.