شكلت الانتخابات التشريعية التي أجريت في السنغال بتاريخ 17 نوفمبر 2024، وفق بعض المراقبين، محطة تاريخية في المشهد السياسي، مع نجاح حزب "باستيف" بقيادة عثمان سونكو في تحقيق غالبية مريحة في الجمعية الوطنية.

 

 

الحزب الذي حصد نسبة 77.1% من الأصوات في بعض الدوائر الانتخابية، متقدمًا بفارق كبير على أقرب منافسيه، ائتلاف "تاكو والو" بزعامة الرئيس السابق ماكي سال، الذي سجل 15.8%. أما بقية الأحزاب التقليدية، فقد حصدت نسبًا متواضعة، مثل ائتلاف "جام أك جاريِن" (1.8%) وائتلاف "سام سا كادو" (2.6%).

 

هذا الفوز الكاسح يعكس تحولا عميقا في توجهات الناخبين، خاصة فئة الشباب، الذين وجدوا في "باستيف" صوتا يعبر عن طموحاتهم.

 

الخطاب المناهض للفساد والموجه نحو العدالة الاجتماعية والسيادة الاقتصادية كان عاملا حاسمًا في جذب الناخبين، كما لعبت عوامل خارجية دورا، إذ شهدت السنغال تحولا في النقاشات العامة حول العلاقة مع المستعمر السابق فرنسا، وضرورة تبني سياسات أكثر استقلالية.

 

تحديات داخلية وتحولات دولية

 

الانتصار الكبير لحزب "باستيف" يضعه أمام تحديات كبرى، داخليا، يتعين على الحزب تقديم حلول فورية للملفات الاقتصادية والاجتماعية، مثل البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، كما أن بناء توافق سياسي داخل الجمعية الوطنية سيكون محوريا لضمان الاستقرار.

 

دوليًا، الفوز يفتح نقاشا حول مستقبل العلاقة بين السنغال والمنظومة الغربية، فحزب "باستيف" يدعو إلى تقليل الاعتماد على فرنسا، ما يضع السنغال في دائرة التحولات الإقليمية الكبرى، حيث تتحول دول الساحل مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر نحو تعزيز العلاقات مع روسيا على حساب النفوذ الفرنسي.

 

انعكاسات على المعارضة والسياسات المستقبلية

 

المشهد السياسي بعد الانتخابات يظهر ضعف الأحزاب التقليدية التي هيمنت على السلطة لعقود، لذلك تنطلق كمعارضة من تحديات كبيرة أبرزها استعادة شعبيتها، لا سيما في ظل تراجع نسبة تأييدها بين الشباب والمغتربين. 

 

في المقابل، يعكس نجاح "باستيف" رغبة الناخبين في تغيير جذري للنظام السياسي والاقتصادي في البلد الواقع في غرب القارة الإفريقية.

 

قراءة إقليمية ودولية

 

هذه الانتخابات قد تؤدي إلى إعادة تشكيل السياسة الخارجية للسنغال، مع خطاب "باستيف" المؤيد للسيادة الوطنية، قد نرى تغيرات في العلاقات مع الشركاء التقليديين، مثل فرنسا، واستكشاف شراكات جديدة مع قوى صاعدة كروسيا والصين، وينسجم هذا مع التحولات التي تشهدها منطقة غرب إفريقيا، حيث تصاعد التأثير الروسي على حساب النفوذ الفرنسي التقليدي.

 

 

في المحصلة يرى كثير من المراقبين أن فوز "باستيف" في الانتخابات التشريعية ليس مجرد حدث سياسي داخلي، بل هو بداية لمرحلة جديدة تعيد تعريف دور السنغال في المنطقة والعالم، لذلك يعتقد هؤلاء أن التحديات أمام الحزب الفائز ضخمة، لكن الفرصة سانحة أمامه لتحقيق تغيير جذري يمكن أن يلهم دولا أخرى في غرب إفريقيا، ويعيد تشكيل معادلات السلطة في المنطقة.