يستعرض وزير الطاقة والبترول الموريتاني، محمد ولد خالد، رؤيته الكبرى لموريتانيا كمنتج ومصدر مستقبلي للطاقة المستدامة، الغاز والهيدروجين الأخضر.

 

ما هي الخصائص التي تبحثون عنها في شريك استراتيجي جديد للانضمام إلى تطوير حقل بئر الله؟

 

يعتبر حقل الغاز بئر الله من الحقول ذات المستوى العالمي من حيث حجم الغاز وجودته، إذ يتميز بانخفاض محتوى ثاني أكسيد الكربون. يقع هذا الحقل في الحوض الساحلي الموريتاني على بعد 60 كيلومترًا شمال حقل الغاز الكبير تورتو أحميم (GTA)، وهو بذلك حقل موريتاني حصري. 

 

وقد اكتشفته شركة كوزموس إنرجي في عام 2015 كجزء من عقد الاستكشاف والإنتاج في البلوك C8، وتقدر احتياطاته بنحو 50 إلى 80 تريليون قدم مكعب من الغاز.

 

بالرغم من أن الحقل يحتوي على كميات كبيرة من الهيدروكربونات، إلا أن الحفر اقتصر حتى الآن على بئرين استكشافيتين، هما "مارسوين" و"أوركا"، مما يعني ضرورة جمع المزيد من المعلومات حول احتياطيات الحقل. كما يجب إجراء دراسات فنية تفصيلية لوضع خطة تطوير تكون ملائمة من الناحية الفنية والاقتصادية. 

 

نحن نفضل خيار خطة تطوير رابحة للطرفين، مع ضمان تحقيق ربحية ممتازة للمستثمرين والمطورين.

 

في أكتوبر 2022، وضمن استراتيجيتها لتسريع استغلال الاكتشافات والاستفادة من البيئة العالمية الملائمة لمشاريع الغاز، بدأت الحكومة مناقشات مع المقاول التاريخي للبلوك، شركة BP، للتوصل إلى شروط فنية واقتصادية تمهد للوصول إلى عقد جديد يتيح رؤية أوضح، خاصة فيما يتعلق بالموعد المتوقع لقرار الاستثمار النهائي.

 

أظهرت دراسة خطة تطوير الحقل إمكانية استخدام ميناء مدينة "اندياغو" الساحلية كقاعدة لمرافق تسييل الغاز، وتخزينه، وتصديره خلال الأشهر الستة الأولى من العقد. ومع ذلك، لم يكن المشغل مستعدًا للمضي قدمًا في المشروع وتوقيع العقد، الذي كان سيلزمه باستكمال الدراسات الهندسية التفصيلية واتخاذ قرار الاستثمار النهائي في النصف الثاني من عام 2025. 

 

طلب المشغل تمديد العقد لأربع سنوات إضافية، لكن الشروط لم تتحقق، مما أدى إلى انتهاء العقد في عام 2024. 

 

يمكنني أن أؤكد على العلاقة الجيدة التي تربطنا مع BP، التي تُعد المطور الرئيسي لحقل الغاز GTA، وتعمل في موريتانيا كجزء من مشروع طموح للهيدروجين الأخضر.

 

نحن نكثف الآن جهودنا للترويج لحقل بئر الله من خلال إقامة اتصالات مع شركات عالمية تمتلك القدرات التقنية والمالية لتقديم خطة تطوير والتفاوض على عقود جديدة.

 

قامت موريتانيا بإدخال إصلاحات كبيرة لخلق بيئة استثمارية أكثر جذبًا في قطاع الطاقة. 

 

هل يمكنكم تسليط الضوء على بعض التعديلات الأخيرة في قانون الاستثمار وكيف تهدف إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي؟

 

قامت موريتانيا بإصلاح الإطار القانوني للاستثمار بهدف جذب رؤوس الأموال الأجنبية إلى قطاع الطاقة، وذلك عبر تبسيط العمليات التنظيمية، وتقديم حوافز ضريبية، وتعزيز الحماية القانونية للمستثمرين الأجانب. يمهد قانون الكهرباء الجديد الطريق للمستثمرين المحليين والدوليين للوصول إلى سوق الطاقة، مع اتخاذ تدابير حماية لدعم المطورين. تشجع السياسات الجديدة أيضًا الشراكات بين القطاعين العام والخاص، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، وتتماشى المعايير البيئية مع أفضل الممارسات الدولية. تهدف هذه الإصلاحات إلى وضع موريتانيا كمركز إقليمي للطاقة، خاصة في مجالات الطاقات المتجددة والغاز الطبيعي، من خلال خلق بيئة أكثر أمانًا وجاذبية للمستثمرين الأجانب.

 

تعتمد رؤية موريتانيا للطاقة على التكامل بين قطاعات الغاز والكهرباء والتعدين؛ إذ تعتزم موريتانيا إنتاج الكهرباء على نطاق واسع من الغاز لتزويد مراكز التعدين بطاقة كهربائية موثوقة ومنخفضة التكلفة.

 

حافظت موريتانيا على استقرار سياسي وأمني، وهو أمر ضروري لجذب الاستثمارات طويلة الأجل. كيف تضمن الحكومة استمرار هذا الاستقرار مع توسع مشاريع الطاقة؟

 

نعيش في عالم مليء بالتحديات المتعددة الأبعاد، خاصة على المستويين الأمني والطاقة. ومع ذلك، تبقى موريتانيا واحة سلام في منطقة جنوب الصحراء، حيث تتمتع بمؤسسات ديمقراطية مستقرة واستقرار سياسي مثالي. يُعد هذا الاستقرار أحد الأصول التي نعتز بها؛ فهو يضمن تقدمنا ويحفظ سيادتنا. وبصفتنا مركزًا إقليميًا مستقبليًا للطاقة وذي إمكانيات كبيرة في الطاقات المتجددة، وشريكًا متميزًا لمطوري مشاريع الطاقة، لا سيما الهيدروجين، فقد نجحنا في خلق بيئة مستقرة تضمن توسع الطاقة في المستقبل.

 

مع توقع أول شحنة من مشروع GTA في الربع الأول من عام 2025، ما الدور الذي ستلعبه هذه المشاريع وغيرها من مشاريع الغاز في تشكيل مستقبل موريتانيا الاقتصادي؟

 

يعتبر هذا المشروع ذو أهمية استراتيجية لموريتانيا والسنغال، حيث واجه تحديات كبيرة على مدار تطويره. من المتوقع أن يسهم مشروع GTA، الذي سينتج أول شحنة غاز في أوائل 2025، في تحول اقتصادي كبير في موريتانيا؛ إذ سيسهم في تحقيق إيرادات وإضافة قيمة وظهور صناعة نفط وغاز وطنية.

 

وتتوقع موريتانيا أن تولد هذه المشاريع إيرادات ضخمة، مما يوفر قاعدة مالية مستقرة ستكون ضرورية لتمويل البرامج الاجتماعية والبنى التحتية وجهود تنويع الاقتصاد. ستستخدم الفوائد الناجمة عن المشروع أيضًا لخلق فرص عمل وتطوير المهارات. ومع زيادة إنتاج الغاز المحلي، ستحسن موريتانيا من إمدادات الطاقة المحلية، مما سيساهم في تحفيز التصنيع والمعالجة المحلية، خاصة في قطاعات مثل التعدين وصناعة الصلب. تحسين الوصول إلى الطاقة سيدعم النمو الاقتصادي الأوسع، ويقلل من الاعتماد على مصادر طاقة مكلفة وغير موثوقة. إن دخول مشروع GTA حيز الإنتاج سيعزز مكانة موريتانيا كمركز إقليمي للطاقة.

 

يمثل أول إحراق للغاز في مشروع GTA محطة مهمة. ما أهمية هذه الخطوة بالنسبة للمشروع بشكل عام ولطموحات موريتانيا في الغاز الطبيعي المسال؟

 

للوصول إلى هذه المرحلة، كان علينا التغلب على العديد من التحديات المالية والتكنولوجية والبيئية والإدارية. اليوم، يعبر جميع الأطراف المشاركة في المشروع عن سعادتهم بالنجاح المحقق؛ فجميع مكونات المشروع التقنية متكاملة، والأنظمة تحت سطح البحر متصلة، ويمكننا القول بثقة أن جميع الجهود المبذولة ستتوج قريبًا بتسليم أول شحنة تجارية. يعكس هذا العديد من الإنجازات؛ أولًا، استكمال ناجح لمشروع غاز بهذا الحجم، وثانيًا، توطيد العلاقات القوية بين موريتانيا والسنغال، دولتين ترتبطان بروابط صداقة ومصالح مشتركة وعلاقات حسن جوار.

 

من المتوقع أن يكون قانون الهيدروجين الأخضر الجديد محوريًا لموريتانيا.

 كيف ترى هذا التحول في تعزيز الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، وما هي الآثار المباشرة التي تتوقعها؟

 

تعمل موريتانيا بشكل طموح على استغلال مواردها الواسعة من الطاقة، بما في ذلك الطاقة المتجددة والهيدروجين، الذي يُتوقع أن يكون محركًا رئيسيًا. توفر الطاقة المتجددة لبلدنا فرصة غير مسبوقة.

 

نحن في وضع فريد، حيث تُصنف موريتانيا باستمرار من بين الدول الأوائل عالميًا من حيث إمكانيات الطاقة المتجددة، بفضل وفرة أشعة الشمس، الرياح القوية، الأراضي الشاسعة، وإمكانية الوصول إلى المياه. إضافةً إلى ذلك، قربنا من الأسواق الرئيسة للطاقة مثل الاتحاد الأوروبي يجعل من موريتانيا موقعًا مثاليًا لتطوير مشاريع الطاقة. تهدف رؤيتنا للطاقة إلى جعل موريتانيا منصة عملاقة لتصدير الطاقة النظيفة إلى أوروبا وغيرها من المناطق.

 

ما الخطوات التي تتخذها الحكومة لتقليل تكلفة إنتاج الكهرباء في جميع أنحاء البلاد؟

 

بعد اعتماد قانون الكهرباء الجديد، تنفذ موريتانيا الآن رؤية طموحة لتوليد الطاقة على نطاق واسع. وبفضل الغاز المنتج من GTA، نخطط لبناء عدة محطات جديدة لتوليد الكهرباء باستخدام الغاز من GTA وحقل الغاز بندا.

 

إنه مشروع طموح لتحويل الغاز إلى طاقة بهدف إنتاج كهرباء موثوقة ومنخفضة التكلفة.

 

ما أهمية هذا التحول لاستراتيجية موريتانيا الصناعية؟

 

يتركز الاهتمام الوطني حاليًا على التحول المحلي. لم يكن هذا ممكنًا في الماضي بسبب نقص الطاقة، لكنه أصبح الآن ممكنًا بفضل شبكة البنية التحتية للطاقة، بما في ذلك خطوط الجهد العالي والطاقة الوفيرة. يمثل الهيدروجين فرصة حقيقية لإنتاج الفولاذ الأخضر والصناعة الخضراء.

 

ما هي التحديات الرئيسة التي تتوقعون مواجهتها في قطاع الطاقة في موريتانيا؟

 

بالرغم من الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها موريتانيا في قطاع الطاقة، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، ومن أبرزها ضرورة بناء القدرات المحلية في مجال الطاقة المتجددة، وتطوير البنية التحتية اللازمة لدعم مشاريع الطاقة على نطاق واسع، وضمان استدامة واستقرار التمويل طويل الأجل للمشاريع الكبرى، كما تواجه موريتانيا تحديات متعلقة بتحسين الكفاءة في عمليات الإنتاج والتوزيع، وضمان استفادة المناطق الريفية والنائية من مشاريع الطاقة، ما يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين الحكومة والمستثمرين الدوليين، وتعزيز التعاون مع المؤسسات المالية متعددة الأطراف.

 

ومع مضي موريتانيا قدمًا في تنفيذ رؤيتها الطموحة للتحول الطاقوي، يبقى هدفها الأساسي هو تعزيز الاقتصاد الوطني، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وتنويع مصادر الدخل، بما يدفع بعجلة التنمية المستدامة ويخلق فرصًا وظيفية واسعة النطاق للمجتمع الموريتاني.

 

كيف ترى موريتانيا مستقبل قطاع الطاقة خلال العشرين عامًا القادمة، خصوصًا في تحقيق التوازن بين الهيدروكربونات والطاقة المتجددة؟

 

بحلول عام 2030، نسعى للوصول إلى طاقة مستدامة وموثوقة ومتاحة للجميع في موريتانيا. 

 

وفي الوقت ذاته، نعمل على جذب المستثمرين الدوليين لبناء البنية التحتية الضخمة التي تتطلبها هذه المشاريع الطموحة، بما في ذلك إنشاء طرق جديدة، وموانئ، وشبكات كهرباء، وغيرها من المرافق الأساسية، وهي كلها استثمارات تتطلب رؤوس أموال كبيرة.

 

في النهاية، يظل الهدف الأساسي هو أن تصبح موريتانيا مركزًا إقليميًا للطاقة في المستقبل، يجمع بين استغلال الهيدروكربونات، وتطوير قطاع الطاقة المتجددة، وتوظيف هذه الموارد لتعزيز اقتصاد البلاد ودعم التنمية المستدامة.

ترجمة: التيار 

المصدر "بزنس آفريك"