كان مساء الأربعاء الماضي هادئا جدا بالنسبة لطالبة جامعية تقف على مشارف الأمل وهي على بعد أشهر قليلة من التخرج، وساعات قليلة من دخول يوم يمثل لها وللوطن فجر جديد..،

لكن ذلك المساء تحول فجأة إلى كابوس طويل وطويل جدا، فقد تسلل فجأة اللصوص إلى شرايين الأمل، ممزقين بسكاكينهم الحادة الأحلام الجميلة التي ارتسمت منذ الصبا على محياها..

 

لقد سرقوا كل شيء ورحلوا مخلفين خلفهم صخبا وصراخا وأنينا ووجعا وأبا طريح الفراش..، لتجد الطالبة الجامعية "لاله" نفسها رمزا حيا لمعاناة تتجاوز حدود الفرد لتعبر عن ألم مجتمع كامل. 

 

كانت لاله شابة تحلم بغد مشرق، لكن أحلامها تلاشت في ليلة سوداء، عندما تعرضت لذلك الاعتداء الوحشي الذي دمر حياتها وتركها عالقة في دوامة من الألم النفسي والجسدي..

 

حادثة لاله ليست الأولى، لكنها الأحدث في سلسلة طويلة من الجرائم التي تعصف بالمجتمع الموريتاني. فوفقا لبيانات الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل، سجل في عام 2024 وحده 366 حالة اغتصاب، منها 274 حالة ضد قاصرين.

 

هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي قصص حقيقية لضحايا يكابدون صدمة العنف، ويعيش ذويهم في ظلال الخوف والغضب..

 

ظلال العنف: الجروح النفسية والصحية..

 

الاغتصاب ليس جريمة تنتهي بانتهاء الاعتداء؛ إنه بداية لمأساة متجددة.. فضحايا هذه الجرائم، يعانون من تداعيات نفسية مدمرة تشمل اضطرابات ما بعد الصدمة، الاكتئاب، والشعور بالذنب الذي يغرس فيهم، تسببه وصمة اجتماعية قاسية، أضف إلى ذلك المخاطر الصحية مثل الإصابات الجسدية الحادة، وانتقال الأمراض الجنسية، وأحيانا الحمل غير المرغوب فيه الذي يزيد من عمق الجراح..

 

أما الأطفال الذين يتعرضون لهذه الجرائم فيحرمون من طفولتهم، ويمضون حياتهم وهم يحملون ندوبا نفسية تعيق تطورهم الطبيعي.

 

حالات الاغتصاب الجماعي، التي بلغت في موريتانيا وفق المصدر السابق، 18 حالة في 2024، تزيد من حدة الأزمة بتأثيراتها الممتدة لتشمل الضحية، وأسرتها، والمجتمع..

 

أصوات مبحوحة تطالب بالعدالة..

 

حادثة لاله أعادت إحياء النقاش وطنيا حول ضرورة التصدي لجريمة الاغتصاب.

 

فالجمعيات الحقوقية تطالب منذ فترة بتعزيز القوانين لحماية الضحايا ومحاسبة الجناة، لكن العقبات تبقى كبيرة بالنسبة لهم، فرفض البرلمان المتكرر لمشاريع القوانين الهادفة لحماية النساء والفتيات تحت ذريعة تعارضها مع الشريعة، يعكس عجزا مؤسساتيا عن مواكبة الأزمة، وفق غالبية الجمعيات النشطة في المجتمع لحماية الأم والطفل.

 

كما أن التباطؤ في الإجراءات العقابية وفق بعض النشطاء يزيد من معاناة الضحايا وذويهم، وترى عدد من الناشطات أن عددا من قضايا الاغتصاب لم تحسم بعد، وهو ما يثير سخطا واسعا في أوساط أسر الضحايا. 

 

الأمل في التحرك الجماعي..

 

في وجه هذه الأزمات، يبقى الأمل بالنسبة لعدد من النشطاء، في التحرك الجماعي، ويؤكد هؤلاء أن التضامن مع ضحايا العنف الجنسي ليس خيارا بل ضرورة إنسانية وأخلاقية، ويعتقد هؤلاء أن الأمر يتطلب من الدولة أخذ زمام المبادرة بتفعيل التشريعات، ودعم مراكز الإيواء والعلاج النفسي، وضمان محاكمة عادلة وسريعة للجناة.

 

أما المجتمع، فعليه أن يرفض الصمت والتواطؤ مع هذه الجرائم، فحادثة لاله يجب أن تكون منارة للتغيير، لأن كل تأخير في التحرك يعني تضحية بحياة جديدة.

 

فلاله اليوم ليست مجرد اسم؛ بل هي صرخة في وجه الظلم، وتحتاج قصتها إلى أن تكون نقطة تحول في النضال من أجل خلق وعي جماعي يظهر خطورة جريمة الاغتصاب، ويغرس في الأجيال الجديدة ضرورة احترام كرامة المرأة وحقوقها، لخلق مجتمع تكون فيه العدالة فوق الجميع.